كتبت .. سها البغدادي
في قلب الجنوب اليمني، حيث يفترض أن تنعم مدينة عدن بالسلام بعد سنوات من "التحرير"، يعيش سكانها اليوم مأساة حقيقية تتجاوز كل الشعارات السياسية. فـ"عدن المحررة" ليست سوى عنوان خادع يخفي وراءه معاناة إنسانية قاسية. المدينة، التي كانت يومًا ما عاصمة مؤقتة ومتنفسًا لليمنيين، تحولت إلى ساحة من الحرمان والانهيار، حيث تنقطع الكهرباء لساعات طويلة، وتجف المياه في الأنابيب، وتشتعل الأسعار بلا رحمة، بينما تُقطع الرواتب ويُترك المواطن وحيدًا في مواجهة الغلاء والفقر وانعدام الأمن.
وسط هذه الفوضى، تتكرر الانتهاكات، وتغيب الدولة، ويتحوّل القانون إلى وهم، فيما تنتشر الفوضى في شوارعها، وتُنهب أراضيها تحت غطاء السلاح والنفوذ. إنها ليست فقط مدينة محرومة من الخدمات، بل مدينة منكوبة بحاضرها، ومجهولٌ مستقبلها. مأساة عدن ليست فقط في ما تعانيه، بل في الصمت الذي يُطوّق وجع أهلها.
عدن: تحرير شكلي لمدينة منكوبة
على الرغم مما يوحي به الإعلام الرسمي من أن عدن "محررة" وتتمتع بالإستقرار، إلا أن الواقع يروي حكاية مختلفة تمامًا:
أزمات المياه والكهرباء
تكررت الانقطاعات في الماء على نطاق واسع. فقد لاحظ سكان أن "الماء لا يصل إلا كل يومين أو ثلاثة" وفق تقارير هيومن رايتس ووتش ، الأمر الذي جعل العائلات تحصي القليل القليل من لترّات المياه.
أما الكهرباء، فوفق المصادر، فإن ساعات توفرها لا تتجاوز 4 إلى 6 ساعات يومياً، وأحيانًا أقل من ذلك خلال الصيف، مع تسجل انقطاعات تصل إلى 20 ساعة يومياً في بعض الأوقات .
غلاء الأسعار وانعدام الرواتب
أدت أزمة استيراد الوقود إلى تفاقم الأزمات؛ إذ تدفّق احتياط الوقود للمحطات الكهربائية توقف تقريباً مما تسبب في جفاف الطاقة وأسعار خيالية للبنزين والمازوت .
فقدان رواتب الموظفين العموميين والأجور المتأخرة ترك شريحة واسعة بدون دخل ثابت، مما دفع العائلات للعجز عن تأمين لقمة العيش.
انتهاكات أمنية وفوضى وتعدي على التربة
شهدت المدينة تنفيذ عمليات سطو واستيلاء على الأراضي بصورة غير رسمية، وهامش الحماية القانونية ضعيف للغاية بسبب هشاشة منظومة تسجيل العقارات وغلبة التوثيق العرفي .
كما تنامت حالة الاعتقالات التعسفية من دون محاكمات والحجز الإداري، بالإضافة لممارسات أمنية تقليدية في مواجهة الاحتجاجات .
احتجاجات واجهت القمع
اندلعت تظاهرات شعبية مطالبة بالكهرباء والماء، في ظل حرارة خارقة تجاوزت 40°C، لكن السلطات الأمنية قيدتها بالعنف والشدة، خاصة في مديريات مثل خور مكسر وكريتر .
الملخص: حصار داخلي لمدينة محررة شكلياً
مقارنة ما بين الوضع قبل 2015 و الوضع الآن
2015.. الكهرباء نظام ثابت ودائم
الآن .. 16: 6 ساعات يوميًا أو أكثر
2015.. الماء إيصال يومي منتظم
الآن .. وصول كل يومين أو أكثر، أو انقطاع كامل
2015..الأسعار مقبولة
الآن .. تضخم حاد وغلاء في الوقود والاحتياجات
2015..الرواتب منتظمة
الآن .. تأخر أو انقطاع شبه كامل
2015..الأمن والخدمات مستقرة
الآن .. اختلال أمني، اعتقالات، سطو على الأراضي
ملخص مأساة الوضع الحالي
عدن "محررة" شكليًا، لكن على أرض الواقع تعاني من:
انعدام الخدمات الأساسية (كهرباء، ماء)،
غلاء يعذّب الفقراء،
انقطاع الرواتب وتسبّبها في أزمة معيشية،
انتهاكات أمنية وقمع احتجاجات سلميّة،
استفحال الفوضى الأرضية وسلطة "المقتدرين" على الأرض.
ولذلك بات من الضروري إعادة تقييم الوضع الأمني والخدمي وتحسين إدارة الموارد وتفعيل العدالة لمحاربة الفوضى العقارية والقمع وسحق الأزمة التي تعيشها مدينة مفترض أنها "محررة".
تعليقات
إرسال تعليق