كتبت .. سها البغدادي
أثار حفل Anyma – Quantum Genesys الذي أقيم مؤخرًا في مصر موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اعتبره كثيرون يحمل طقوسًا غريبة تشبه ما يُعرف بـ"عبدة الشياطين".
ورغم أن منظمي الحفل أكدوا أنه عمل فني إلكتروني يعتمد على الإضاءة والمؤثرات الصوتية الحديثة، إلا أن الشارع المصري رأى فيه رمزًا لثقافة دخيلة وغريبة على المجتمع.
فالمجتمع المصري، بمسلميه ومسيحييه، مجتمع متدين بطبعه، يرفض كل ما يتعارض مع فطرته وقيمه الروحية.
ورغم أن هناك فئة محدودة من الطبقة الثرية قد تجد في هذه الحفلات نوعًا من “الانفتاح الحضاري” أو “الفن التجريبي”، فإن الأغلبية العظمى من أبناء الشعب البسيط ترى فيها شيئًا مرعبًا ومرفوضًا.
ورغم أن هذه النوعية من الحفلات تُسهم بالفعل في تنشيط السياحة وتحريك عجلة الاقتصاد، فإنها في المقابل تُثير في نفوس المصريين مخاوف قديمة متجذرة.
إذ ارتبطت لدى كثيرين الأصوات العالية، والإضاءات المتقطعة، والمؤثرات الغريبة، بمعتقدات عن “استدعاء الجن والشياطين” من العالم السفلي، ما يجعلهم يشعرون أن هذه الطقوس تجلب النحس والمصائب.
ويؤمن البعض أن مثل هذه المظاهر تسبق دائمًا كوارث نفسية أو اجتماعية؛ كقتل الأمهات لأطفالهن، أو انتحار الشباب، أو حدوث حوادث غامضة، أو تفكك الأسر وانتشار الفقر والمشكلات داخل البيوت.
لقد أصبح هناك ارتباط شرطي في الوجدان الشعبي بين هذا النوع من الحفلات وبين “الشر” في صوره المختلفة.
ومن خلال متابعتي لتعليقات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظت أن الغالبية تشعر بالرفض والخوف في آنٍ واحد، بينما يرى بعض المثقفين والعلمانيين أن هذا الرفض دليل على “تخلف فكري” وعدم قدرة على تقبّل الجديد والانفتاح على العالم في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة.
لكن الحقيقة أن الأمر أعمق من مجرد "رفض" أو "قبول".
إنه صدام بين ثقافة غربية تحاول فرض رموزها الفنية والرقمية، ومجتمع شرقي محافظ يؤمن أن الروحانية لا يمكن أن تُستبدل بالضوء والضوضاء.
وهنا تكمن خطورة المشهد... حين يتحول الفن من وسيلة للتنوير إلى أداة تثير الرعب في وجدان الناس.
تعليقات
إرسال تعليق