بشاعة ميليشيات «حماس».. عندما تتحول «المقاومة» إلى حكم دموي يُباد به أهل غزة

كتبت .. سها البغدادي 

غزة اليوم ليست ساحَة مقاومة فقط، بل مدينة أشباح تكسوها رائحة المهجّرين والركام، وأجيال ضائعة لا تعرف المدرسة ولا المستشفى. لقد بات واضحًا أن جزءًا من السردية التي تُقدّم باسم «المقاومة» استُخدم ستارًا لسياسات ميليشياتية تترسخ فيها القسوة، وتتعاظم فيها الجرائم ضد المدنيين الذين يُفترض أن تُحمَى حياتهم.

أولًا: القتل والتنكيل داخل القطاع — انتهاكات موثقة
تقارير حقوقية وتحليلية متعددة وثّقت مجملًا ارتكاب مجموعات مسلحة — بينها عناصر مرتبطة بحركة «حماس» — لأفعال عنيفة بحق أسرى ومواطنين وخصوم سياسيين خلال فترات متقطعة، بما في ذلك اعتقالات تعسفية وإساءة معاملة وأحيانًا عمليات إعدام موجزة. تلك السلوكات تُظهِر أن التبرير الأمني لا يبرّر الخروج عن قواعد القانون الإنساني والأسس الإنسانية.

ثانيًا: «المقاومة» كستار — خطاب انتصارات وهزائم حقيقية في الميدان
تستخدم قيادات ميليشياتية خطاب الانتصار والبطولات لتغطية إخفاقات استراتيجية وتبرير ممارسات قمعية داخليًا. هذه الدعاية تُمطِر الشارع بالوعود الوهمية بينما الواقع الميداني يحكي عن خسائر بشرية هائلة وبنية تحتية مدمّرة. مثل هذا الخطاب لا يحرّر شعبًا، بل يسرق حياته ومستقبله.

ثالثًا: اتّهامات بسرقة المساعدات وظهورها في السوق السوداء — وقائع ومراجعات
تواترت اتهامات بأن مساعدات إنسانية ومتبرّعات تُحوَّل أو تُباع في أسواق محلية، مما يفاقم الجوع والعطش بين المدنيين. بينما مواقع دولية نشرت لقطات وشهادات عن ظهور مواد إغاثية في أسواق، أكدت تحقيقات مُعينة (من بينها تحليل داخلي لوكالة أمريكية) أنّ الأدلة على «سرقة منهجية ومنظمة» بقيت غير قاطعة في كل الحالات المفحوصة نظرا لأن قيادات حماس لن تظهر فى الصورة ولكن يستعينوا بوسطاء ينفذون أوامرهم ، وهو ما يسلّط الضوء على التعقيدات في إثبات المسؤوليات وأيضًا على دور فوضى التوزيع والحصار والتدخلات العسكرية التي تُعطّل وصول المساعدات. لكن النتيجة البشرية واحدة: نقص في الغذاء، أدوية مفقودة، وعائلات تُركت لتواجه الموت البطيء.

رابعًا: استخدام المدنيين كـ«دروع بشرية» وسياسات تكتيكية تعرض النفوس للخطر
اتهامات متكررة وبيانات دولية وصهرُ تقارير تفيد بأن بعض الجماعات المسلحة وضعت أهدافها العسكرية داخل مناطق مأهولة مدنيًا أو قرب مرافقَ مدنية، ما جرّب كُلفة بشرية هائلة وجعل المدنيين عرضة للقصف والقتل. المنظمات الحقوقية دعت مرارًا إلى التمييز والحماية، وطالبت جميع الجماعات المسلحة باتخاذ كل الاحتياطات لحماية السكان.

خامسًا: غزة مدينة بلا مدارس ولا مستشفيات — كارثة إنسانية بنُسق تاريخي
الإحصاءات الدولية تُدين واقعًا صارخًا: آلاف المنشآت التعليمية والمدارس دُمّرت أو تعطّلت، ومستشفيات كبرى هجرت أو طُمرت تحت أنقاض أو تعمل جزئيًا، ما أدى إلى ضياع فرصة تعليمية وجيليةّة كاملة. النتيجة هي جيل مُنقطع عن التعليم ورعْيٍ صحيٍّ تآكُلِيّ. هذه ليست مجرد أرقام، بل مأساة يومية يعيشها الأهالي.

السادس: من يربح من الحرب؟ مرتزقة ومصالح إقليمية
في خضم هذا الانهيار الإنساني، برزت عناصر تُفاوض مصالحها مع من يدفع؛ شبكات مسلحة تستمر في القتال طالما هناك تمويل ودعم، وهو نمطٌ تحوّل إلى تجارة حياة. وصفهم البعض «مرتزقة» ليس لغوًا بل وصف لواقع يعتمد على دعم خارجي يُبقي دوائر العنف مستمرة، على حساب الناس الأبرياء.

السابع: الطريق للخروج — نزع السلاح وتفعيل سلطة شرعية
البديل الوحيد الممكن لاستعادة الإنسانية وإعادة الإعمار هو نزع السلاح من الميليشيات وإعادة السلطة والمقدّرات إلى سلطة مدنية شرعية قادرة على فرض القانون وحماية المدنيين. إذا كان الهدف بناء دولة فلسطينية ذات مقومات حياة كريمة، فالمطلوب حكومة تمثيلية تدير الموارد وتحرص على الشفافية في توزيع المساعدات، لا ميليشيا تتاجر بالموت.

ثامنًا: مسؤولية المجتمع الدولي ومصر والمنظمات الإنسانية
العالم أمام اختبار أخلاقي وإنساني: كيف سيحمى المدنيون من بطش ميليشيات مسلحة ليست دولة؟ كيف تُؤمّن حماية إنسانية دون إيقاع السكان في حصار يزيد الكارثة؟ هل يُنشر قوام دولي لحماية المدنيين؟ هذه أسئلة يجب أن تُجاب بخطوات عملية: عمليات إنسانية محايدة، آليات محاسبة واضحة، ودعم لإعادة بناء البنية المدنية—تعليمًا وصحةً وسكنًا—مع ضمانات دولية لتوزيع المساعدات.

خاتمة: لا مزيد من المواربة بالدماء
لا يجوز أن يبقى وصف «المقاومة» ستارًا لتبرير جرائم داخل المجتمع نفسه. إنّ ما يحدث في غزة ينبغي أن يستنهض الضمير الدولي، ويُحَفِّز إلى خطوات عملية لنزع السلاح، وإقامة حكم مدني شرعي، وإعادة الحقوق لأهل غزة. يجب أن يكون الهدف حماية الإنسان، لا توسيع دائرة الاستغلال والدمار باسم أي أيديولوجيا كانت. غزة تستحق أن تعود مدينة حياة، لا مقبرة قلوبٍ وانتظارٍ بلا نهاية.

تعليقات