كيف غيّرت مناورات «النجم الساطع» موقف ترامب تجاه مصر؟

 


تحليل سياسي للباحثة سها البغدادي 

في خضم السجالات السياسية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة ومصر، برز موقف جديد لدونالد ترامب يشيّ بتوجه استراتيجي مكتوب في الميدان—من “التحدّي” إلى “اعتماد ضمني” على قوة الجيش المصري كمكوِّن أساسي في معادلة الشرق الأوسط. هذه التحولات ليست وليدة الصدفة، وإنما نتيجة تراكمية لحقائق ميدانية لا يستهان بها؛ أبرزها المناورات المشتركة “النجم الساطع” التي عُقدت في مصر قبل أسبوعين.

أولاً: المناورات العسكرية كمقياس للقدرة والاحترام

مناورات «النجم الساطع» جمعت جيوشًا من عدة دول، من ضمنها الجيش المصري والقوات الأمريكية، وأظهرت حجمًا من الاحترافية والتدريب العالي والتنسيق العسكري لا يمكن تجاهله.
وعندما يخرج قائد القوة الأمريكية المشاركة ويقرّ بأن الجيش المصري “تفوّق احترافيًا”، فذلك ليس ثناءًا عابرًا، بل إعتراف رسمي يُسجّل في سجلات القرار السياسي والعسكري الأمريكي.

ثانيًا: الرسالة التي وصلت إلى ترامب

مثل هذه التصريحات لا تبقى حبيسة المحادثات الميدانية—إنما تنتقل فورًا إلى دوائر صنع القرار في واشنطن. وبالنظر إلى أن ترامب يهتم بصورة القوة، والهيبة، وسمعة الدول، فإن هذه التحولات في السلوك الأمريكي تظهر أنه:

  1. أدرك أن المواجهة العسكرية أو الاستفزاز السياسي ضد مصر ذات قيمة ردع حقيقي. الجيش المصري أثبت قدراته، مما يصعب أي مغامرة عسكرية أو تهديد مباشر دون حسابات مضاعفة.
  2. أصبح يحسب حسابًا جديدًا لمكانة مصر في المعادلة الإقليمية، خاصة أنها الدولة القادرة على استيعاب التحديات الأمنية، وتوفير توازن للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، سواء في مواجهة الجماعات المسلحة أو في الحفاظ على استقرار سيناء والمنطقة الشرقية.

ثالثًا: تغيير الموقف.. من الخيال إلى الواقعية

من الملاحظ أن ترامب بات يُظهر “مرونة” أو “اعتدالًا” في مواقفه الأخيرة تجاه مصر، سواء في بيانات رسمية أو عبر وسيط، مقارنة بتصريحات سابقة محتدمة أو غير متوازنة. هذا التغيير قد يكون ناتجًا عن:

  • تقارير استخباراتية عرضت حجم القدرات الفعلية للجيش المصري، بما فيها المناورة العسكرية والتنسيق مع شركاء أجانب.
  • حساب التكاليف: مواجهة مصر مباشرة أو التشكيك في قدراتها يعني احتمالات خسائر عسكرية وسياسية ستنعكس على سمعة الولايات المتحدة، خاصة إذا ما هُزمت هذه المواجهة أو فشلت محاولات الضغط السياسي.

رابعًا: التبعات المحتملة

موقف ترامب الجديد من مصر بعد المناورات يحمل عدة آثار على الساحة السياسية والدبلوماسية:

  • تقارب أكبر محتمل بين القاهرة وواشنطن، على غرار تعاون عسكري أمنِي أكبر، تبادل معلومات استخبارية، وضمانات متبادلة.
  • تغيير في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية: قد ينخفض حجم التصريحات النارية أو العقوبات المحتملة، ويُستبدل ذلك بسياسات “العمل الميداني المشترك” التي تُعلي من أداء الجيش المصري كركيزة لأمن المنطقة.
  • تأثير على الدول المحيطة: يُحتمل أن تنعكس هذه الهيمنة الميدانية والاحترام العسكري المكتسب من مصر على مواقف دول أخرى في المنطقة، التي قد تُعيد حساباتها في علاقاتها مع القاهرة.

خاتمة تحليلية

مناورات "النجم الساطع" لم تكن مجرد عرض للقوة العسكرية فحسب، بل كانت محطة مفصلية في إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للعلاقات الأمريكية–المصرية، في عهد ترامب.
فالرجل الذي ربما كان يميل إلى المزايدات الكلامية، صار الآن أمام واقعة ميدانية تؤكّد أن مصر ليست ورقة تفاوضية سهلة ــ بل شريك لا يُستغل، وقوة حضور لا يُمكن تجاوزه.


تعليقات