الذئاب المنفردة والميليشيات المحلية في غزة: حقيقة التهديد ومن يقف وراء "القوات الشعبية"؟

 


كتبت .. سها البغدادي 

تقرير تحليلي موجز 

في بيئة مأساوية ومتفجرة مثل الوضع في غزة، تظهر تهديدات أمنية من جهات متعددة: مهاجمون منفردون ("الذئاب المنفردة")، ميليشيات محلية متصارعة، وقواتٍ أعلنت نفسها «شبه نظامية» أو «شعبية». هذا التقرير يبيّن طبيعة كل تهديد، أنماط الذئاب المنفردة، ويقيّم الادعاء المتكرر بأن بعض التشكيلات المسلّحة التي تهدّد حماس هي في الحقيقة «حماس بلباس جديد» بغرض تبرير قمع أهالي غزة والسيطرة عليهم.

1) من هم «الذئاب المنفردة»؟ سمات ونمط التهديد

  • التعريف: "الذئاب المنفردة" هم فاعلون بمفردهم أو مجموعات صغيرة تنفّذ هجمات إرهابية دون توجيه مباشر من تنظيم مركزي. هم غالبًا معزولون اجتماعيًا، ذوو دوافع أيديولوجية أو انتقائية، ويمكن أن يكونوا أكثر صعوبة في الكشف لأنهم لا يتركّبون من خريطة تنظيمية ظاهرة.
  • الخصائص العملية: غالبًا هجمات مفاجئة، استخدام أدوات بسيطة (سيارات، سكاكين، أسلحة صغيرة، عبوات)، واستهداف رموز الدولة أو المدنيين لإحداث أثر إعلامي ونفسي كبير. الكشف يعتمد على استخبارات مفتوحة المصدر، رصد إشارات السلوك، وتتبع التمويل والاتصالات.

2) المشهد العسكري الداخلي في غزة الآن — تشكّل ميليشيات متعددة

  • منذ خضمّ الصراع وتهدّم المؤسسات، ظهرت تشكيلات مسلّحة محلية متعددة (عائلات مسلحة، "القوات الشعبية" أو "قوى شعبية"، ولجان أمن محلية). بعضها ضدّ حماس ويُقال إنه مدعوم أو مستغَلّ من جهات خارجية كجزءٍ من محاولات إضعاف حركة حماس. وهذا ما وثّقته تقارير تحليلية وإخبارية حول ظهور مليشيات مضادة لحماس ومحاولات طرف خارجي دعمها.
  • في المقابل، عادت عناصر من حماس لنشر وجودها الأمني داخل قطاع غزة ومحاولة قمع أي فصائل أو عائلات تتحداها، بما في ذلك عمليات اعتقال وإعدامات زُعم أنها طالت "مشتبه بهم" أو "متعاونين". تقارير إخبارية تحدثت عن ملاحقات واشتباكات داخلية وإعدامات خارج إطار القانون.

3) هل "القوات الشعبية" أو الميليشيات التي تهدّد حماس هي في الواقع «حماس» بغطاء جديد؟

النتيجة المختصرة: لا يوجد دليل علني قاطع يثبت أن كل تشكيل مسلّح يُمثّل نفسه معاديًا لحماس هو فعليًا حماس متنكرًا. الواقع أشدُّ تعقيدًا: هناك تشكيلات مستقلة وعشائرية، وهناك جماعات معادية لحماس، وهناك أيضًا تقارير عن دعم خارجي لبعض الميليشيات. وفي المقابل، هناك أيضًا جهود من حماس لإعادة فرض السيطرة وقد ارتكبت أعمالًا قمعية ضد خصوم داخل غزة. لا يستقيم استنتاج موحّد بدون تحقيقات مستقلة وبيّنات موثوقة.

تفصيل الأسباب:

  • دلائل تدعم أن بعض الميليشيات جديدة وتعارض حماس: تقارير استخبارية وإعلامية تفيد بظهور مجموعات مسلحة جديدة زعمت استقلاليتها وتلقيها دعماً أو تسليحًا من جهات خارجية بهدف إضعاف حماس. هذا الأمر تمّ تداوله في تحليلات عديدة.
  • دلائل تدعم أن حماس تحاول استعادة السيطرة: عودة دور قادة حماس ونشاط قواتها الأمنية وحملات ضد ما وُصف بالمجرمين أو المتعاونين، مع تقارير عن عمليات تنفيذ ميداني وملاحقات. هذه الأفعال تُظهِر رغبةً في احتواء الفوضى وإعادة نفوذها.
  • احتمالُ "التمثيل المزوّر" (false-flag) أو عمليات تنسب لجهة معينة مع نيّة سياسية لا يمكن استبعادهَ نظريًا في بيئة حرب، لكن إثبات مثل هذه الادعاءات يتطلّب أدلة قاطعة (اتصالات، تمويل، أسلحة بمصدر معروف، تسجيلات فعلية، شهادات مستقلة). حتى الآن لا توجد دلائل نشرها تحقيق مستقل يُثبت أن كل أو معظم المجموعات المعارضة هي في الواقع عناصر من داخل حماس متنكرة.

4) مخاطر ونتائج هذا التداخل (ذئاب منفردة + ميليشيات + إعادة فرض سيطرة)

  • ارتفاع العنف الداخلي، وانتهاكات لحقوق الإنسان (تنفيذ خارج نطاق القانون، إعدامات ميدانية، اعتقالات تعسفية).
  • تشظّي السلطة، ما يجعل توزيع المساعدات وإنعاش البنية التحتية أكثر خطورة ويزيد معاناة المدنيين.
  • استغلال الادعاءات (حقيقة كانت أم زائفة) سياسياً على الساحة الدولية لتبرير اجراءات قمعية أو لتسويق أجندات خارجية، وهو ما يعمّق عدم الثقة.

5) توصيات عملية وميدانية

  1. ضرورة تحقيقات مستقلة وشفافة من قبل منظمات حقوقية دولية (وبإمكانية إشراك جهات فلسطينية مستقلة) للتحقّق من مزاعم الإعدامات، والادعاءات المتعلقة بوجود "ميليشيات مدعومة خارجيًا" أو "عمليات تنسب خطأً لطرف آخر". الأدلة البشرية والوثائقية والمالية يجب أن تُجمَع بسرعة قبل أن تتبدد.
  2. تحسين استخبارات الإنذار المبكر لكشف الذئاب المنفردة عبر رصد أنماط التطرف الفردي، شبكات التمويل الصغيرة، وأنشطة التحريض الرقمي. استخلاص الدروس من الأدبيات العلمية حول الذئاب المنفردة يُفيد في الوقاية.
  3. حماية المدنيين أولوية: تأمين خطوط توزيع المساعدات، محاسبة من يختطف أو ينهب المساعدات، وتفعيل آليات محلية لفض النزاعات بين العائلات والكتل المسلحة.
  4. التواصل الدولي الشفاف: على الجهات الدولية والجهات المانحة أن تطالب بشفافية في مصادر التمويل للسلاح والعناصر المسلحة وتدقّق فى هوية الجهات التي تتلقى دعماً.

خاتمة مختصرة

المشهد الأمني في غزة اليوم متعدد الوجوه: ذئاب منفردة تشكل تهديدًا في نمطها الفردي، وميليشيات محلية تنخر النظام الاجتماعي، وحماس تحاول استعادة مظاهر السيطرة — وكل هذه القوى تتداخل. الادعاء بأن كل قوات شعبية أو ميليشيات مضادة لحماس هي "حماس بلباس جديد" يندرج في باب الفرضيات ويحتاج إلى أدلة مستقلة وقاطعة قبل تبنّيه. المطلوب تحقيقات شفافة، توثيق مستقل، وإجراءات لحماية المدنيين وكبح تصاعد الصراع الداخلي بدلًا من استخدامه ذريعة لمزيدٍ من القمع.

المصادر الرئيسة (اختيارية للمتابعة)

  • تقارير إخبارية وتحليلية حول عودة عناصر حماس ونشر قواتها: The Guardian، Reuters.
  • تقارير عن ظهور مجموعات محلية مضادة لحماس ودور دعم خارجي محتمل: FDD / Long War Journal، The Guardian.
  • دراسات وأوراق علمية حول ظاهرة «الذئاب المنفردة» والسمات السلوكية: ICCT، START (جامعة ميريلاند).


تعليقات