بهاء الخزعلي
لم يكن اختيار محمد شياع السوداني شعار «العراق أولاً» مجرد صدفة لغوية تتقاطع مع شعار ترامب «أميركا أولاً»، بل كان رسالة مبكّرة بأن رئيس الوزراء العراقي الجديد يقرأ السياسة الخارجية بنفس المنظور «الترامبي» القائم على:
١- إعلاء المصلحة الاقتصادية الوطنية فوق أي حسابات محورية،
٢- إعادة ترتيب التحالفات بما يُضعف نفوذ طهران.
٣- استخدام شعارات قصيرة وعنيفة لإعلان الاستقلال عن المحور السابق.
أولاً: الشعار كإعلان هوية جديدة
عندما أعلن ترامب «أميركا أولاً» كان يُسقط منظومة التعددية التي يرأسها بايدن، ويُخبر حلفاءه الأوربيين والآسيويين أن واشنطن لن تدفع ثمن أمنهم من جيب المواطن الأميركي.
السوداني، من منبر «الإعمار والتنمية»، أعاد صياغة الجملة ذاتها لكن بصيغة عراقية: «العراق أولاً» تعني أن بغداد لن تبقى خط دفاع أول لطهران والدليل أن العراق لم يبلغ طهران بحرب الأثنى عشر يوم عن الهجمات التي ستطال إيران.
الشعار، إذن، لم يُقال للعراقيين فقط، بل أُرسل إلى واشنطن والرياض وأبوظبي: «أنا لست صديقاً إيرانياً بالضرورة».
ثانياً: الترامبية كأسلوب إدارة
شخصية ترامب –المباشرة، التجارية، المعادية للمؤسسات التقليدية- وجدت صداها في السوداني.
- اللغة: يتعمّد السوداني في لقاءاته الخاصة استخدام عبارات ترامب نفسها مثل «نريد صفقات، لا مساعدات» أو «الفساد أخطر من داعش».
- الإعلام: فريقه الإعلامي يُطلق وسم «#صنع_في_العراق» تقليداً لوسم «#أميركا_أولاً»، مع فيديو لبعض شوارع بغداد وقد أزيل منها صور الشهداء بما فيهم قادة النصر.
- الإقصاء: ترامب أغلق الباب أمام «الحرس القديم» الجمهوري، والسوداني فعل مثله بالضغط على بعض قيادات الحشد، أو منع إستيراد الحديد من منافذ البصرة الحدودية مع إيران وفتح منافذ كردستان لإستيرادها، وأحال ملف الاستثمارات إلى هيئة «الاستثمار» التي يترأسها مستشار سعودي-إماراتي السيرة.
ثالثاً: التصرفات تُحدث عن نفسها
1. تحييد المقاومة:
- من خلال إصدار قرارات تعسفية بحق بعض أمراء الألوية في الحشد الشعبي كما حصل في حادثة الزراعة، وبالمقابل رفع الحظر عن الحركة المدخلية التي تم تصنيفها تهديد عالي المستوى من قبل جهاز الأمن الوطني العراقي.
-إحالة قائد عمليات الجزيرة والبادية في هيئة الحشد الشعبي للتحقيق، بالمقابل إعادة رافع الرافعي إلى العراق من جديد.
2. التسليم الاقتصادي للخصوم الإقليميين لإيران:
- محاولة توقيع مع السعودية مذكرة «بناء 12 مدينة صناعية» بقيمة 30 مليار دولار، تُدار من قبل شركات سعودية بالكامل، مع إعفاء ضريبي لعشر سنوات.
- دراسة جدوى لمشروع منح الإمارات حق إدارة ميناء «الفاو الكبير» لمدة 35 عاماً قابل للتجديد 15عام آخر، وهو الميناء الذي كانت طهران تطمح أن يكون منفذها البديل إذا ضُيّق عليها الخليج.
- فتح باب التنقيب عن الغاز أمام توتال الفرنسية وبي بي البريطانية، على حساب شركة «نفط الجنوب».
رابعاً: التشرينيون يُهرولون إليه
ثورة تشرين 2019 قامت على شعار «إيران برا برا»، لذلك وجدوا في السوداني أول رئيس وزراء يُجسّد شعاراتهم .
- رفع صور السوداني في تظاهرات تشرين يؤكد على أنه كان المطلب الأول لهم .
- ترشيح سامر جيرمني مع تحالف الإعمار والتنمية وهو تيكتوكر تشريني.
- بعض من يعملون في مكتب السوداني هم أصلاً تشرينيون الهوى.
خامساً: رسالة إلى طهران وواشنطن معاً
السوداني لا يعلن العداء لإيران صراحة، لكنه يُقلص مساحتها خطوة بخطوة:
- قام السوداني بعدة زيارات لدول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية في حين زار إيران مرة واحدة طيلة فترة ولايته.
- خالف الدستور العراقي عندما سكت عن إستخدام أجواء العراق لإستهداف إيران.
- يسمح للقنوات «الترامبية» (فوكس نيوز، سكاي نيوز عربية) بمقابلات حصرية، ويُقصي قنوات الاتحاد عن المقابلات الحصرية.
خلاصة
محمد شياع السوداني يُمارس «الترامبية العربية» بامتياز: شعار populist، وتكتيك اقتصادي يُفضّل صفقات الدولار على شعارات الممانعة، وإعلام يُصوّر كل خطوة على أنها انتصار للشعب، تصوير رئيس الوزراء على أنه القائد الأوحد الذي لا يضاهيه أحد بمنجزاته في ملف الإعمار رغم تساقط بعض الجسور كأوراق الخريف.
تعليقات
إرسال تعليق