كتبت .. سها البغدادي
في مثل هذه الأيام، تعود إلى الأذهان قصة الجندي المصري سليمان عبد الحميد خاطر، أحد أبناء قرية أكياد التابعة لمحافظة الشرقية، الذي تحوّل اسمه إلى رمز للشجاعة والوطنية بعد واقعة بطولية أثارت جدلاً واسعاً في ثمانينيات القرن الماضي، خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وُلد سليمان خاطر عام 1961 لأسرة ريفية بسيطة، وشهد منذ طفولته أحداثاً تركت أثراً عميقاً في نفسه، أبرزها مذبحة بحر البقر عام 1970، حين قصف الطيران الإسرائيلي مدرسة ابتدائية وأودى بحياة عشرات الأطفال. عاد الطفل يومها إلى منزله مصدوماً من هول المشهد، وهو ما رسّخ داخله إحساساً قوياً بالعداء للعدو المحتل.
التحق خاطر بالخدمة العسكرية بعد إنهاء دراسته الثانوية، وتم تجنيده في سلاح الأمن المركزي. وأثناء خدمته في منطقة رأس برقة بجنوب سيناء يوم 5 أكتوبر 1985، فوجئ بمجموعة من الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، وهي منطقة عسكرية محظور الاقتراب منها.
أطلق سليمان رصاصات تحذيرية، لكنهم لم يستجيبوا، ففتح النار باتجاههم مما أسفر عن مقتل سبعة إسرائيليين.
اعتبر الجندي ما فعله واجباً وطنياً ودفاعاً عن حدود بلاده، إلا أنه فوجئ بتحويله إلى محاكمة عسكرية عاجلة بقرار جمهوري.
وخلال محاكمته قال خاطر كلمته الشهيرة:
"أنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي. المنطقة دي ممنوعة، واللي يقترب منها بيخالف الأوامر... وإلا نسيب الحدود فاضية!"
ورغم وضوح دوافعه العسكرية، صدر ضده حكم بالسجن 25 عاماً مع الأشغال الشاقة المؤبدة، وتم نقله إلى السجن الحربي بمدينة نصر.
وأشارت تقارير آنذاك إلى أن الحكومة المصرية حاولت تهدئة الاحتجاج الإسرائيلي بوصف خاطر بأنه "غير مسؤول عن أفعاله"، وتم نقله لاحقاً إلى مستشفى السجن بدعوى إصابته بالبلهارسيا.
وفي 7 يناير 1986، أُعلنت وفاته في ظروف غامضة داخل زنزانته، وقيل إنّه "انتحر"، لكن أسرته شككت في الرواية الرسمية، خاصة بعد أن لاحظت آثار تعذيب على جسده أثناء مراسم الدفن.
وأكد بعض الحراس – وفق ما روته أسرته – أن زيارة أجنبية رفيعة المستوى جرت له قبيل وفاته، ما عزّز الشكوك بأنه تعرّض للتصفية لإرضاء الجانب الإسرائيلي.
أثار نبأ وفاته موجة غضب طلابية عارمة، وخرجت مظاهرات في عدد من الجامعات المصرية تندد بما حدث. وطالبت الأسرة بإعادة تشريح الجثمان بمعرفة لجنة مستقلة، لكن الطلب تم رفضه.
وعانت أسرته لسنوات طويلة من أجل استخراج شهادة وفاته، فيما كرّمه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بإطلاق اسمه على أحد شوارع ليبيا، بينما رفضت إيران تكريمه على أراضيها احتراماً للمؤسسة العسكرية المصرية.
رحل سليمان خاطر في ريعان شبابه، لكن قصته بقيت خالدة في ذاكرة المصريين، رمزاً للجندي الذي دافع عن حدود وطنه ودفع حياته ثمناً لواجب أدّاه بشرف.
تعليقات
إرسال تعليق