تطورات الحرب في جنوب اليمن: صراع النفوذ وترتيبات ما بعد المواجهة

كتبت .. سها البغدادي 

تشهد محافظات جنوب اليمن تطورات متسارعة على المستويين العسكري والسياسي، في ظل صراع نفوذ معقّد يتداخل فيه المحلي بالإقليمي، وتتصدره تطلعات الجنوبيين لاستعادة دولتهم، مقابل ضغوط ومحاولات لإعادة ترتيب المشهد بما يخدم تسويات أوسع في اليمن.

المشهد العسكري: هدوء حذر ومواجهات متقطعة

ميدانيًا، يسود هدوء حذر في عدد من جبهات الجنوب، لا سيما في عدن ولحج، مقابل مواجهات أمنية متقطعة في أبين بين القوات الجنوبية وعناصر متطرفة، في إطار عمليات مستمرة لتثبيت الأمن ومنع عودة الجماعات المسلحة. وتؤكد مصادر عسكرية أن القوات الجنوبية نجحت خلال الأشهر الماضية في تقليص مساحة نشاط التنظيمات الإرهابية، رغم استمرار محاولات الاستنزاف.

في المقابل، تبرز حضرموت كساحة حساسة، مع تصاعد الجدل حول الترتيبات الأمنية والعسكرية، ومطالب بتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم الأمنية. وتُعد هذه التطورات جزءًا من صراع أوسع على النفوذ في واحدة من أكبر محافظات اليمن وأكثرها أهمية استراتيجية.

أما المهرة، فلاتزال تشهد توترًا سياسيًا وأمنيًا منخفض الحدة، يرتبط بملف الوجود العسكري الخارجي والتهريب عبر الحدود، وسط دعوات جنوبية للحفاظ على خصوصية المحافظة ومنع زجّها في صراعات إقليمية.

البعد السياسي: الجنوب في قلب التسوية

سياسيًا، يواصل تعزيز حضوره كطرف رئيسي في أي نقاش حول مستقبل اليمن، مستندًا إلى سيطرته الأمنية في عدد من المحافظات الجنوبية ودعم شعبي واضح. ويؤكد المجلس أن القضية الجنوبية باتت واقعًا سياسيًا لا يمكن تجاوزه، خصوصًا مع اقتراب أي مسار تفاوضي شامل.

ويرى مراقبون أن الجنوب أصبح عامل توازن وضغط في معادلة الحل، في ظل إدراك إقليمي ودولي بأن تجاهل مطالبه قد يعيد إشعال الصراع بشكل أوسع.

أدوار إقليمية وحسابات معقدة

تلعب الأطراف الإقليمية دورًا محوريًا في تطورات الجنوب، سواء عبر الدعم الأمني أو من خلال الضغط السياسي لإبقاء الأوضاع تحت السيطرة. غير أن هذا الدور يصطدم أحيانًا بتباين المصالح، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الكيانات السياسية وترتيبات ما بعد الحرب.

إلى أين يتجه الجنوب؟

في المجمل، يمكن القول إن جنوب اليمن يمر بمرحلة إعادة تموضع أكثر منها حربًا مفتوحة، حيث تتراجع المواجهات الواسعة لصالح صراع سياسي وأمني منخفض الوتيرة، لكنه شديد الحساسية. ومع استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة والخدمات المتدهورة، يبقى التحدي الأكبر أمام القوى الجنوبية هو تحقيق الاستقرار الداخلي بالتوازي مع إدارة معركة السياسة.

وبين هدوء السلاح وضجيج السياسة، يقف جنوب اليمن عند مفترق طرق تاريخي، قد يحدد ملامح مستقبله لسنوات قادمة، إما نحو تسوية تعترف بإرادته، أو نحو جولة جديدة من الصراع المؤجل.

تعليقات