سها البغدادي
يحرص الرئيس الأمريكي على تقديم نفسه بوصفه «صانع السلام» في القرن الحادي والعشرين، مؤكدًا في خطاباته وتصريحاته أن وساطاته الدبلوماسية نجحت في إنهاء ثمانية حروب وصراعات كبرى حول العالم. غير أن قراءة متأنية لمسار هذه النزاعات تُظهر تباينًا واضحًا بين الرواية السياسية والوقائع الميدانية، حيث ما تزال معظم هذه الصراعات مشتعلة أو مهددة بالانفجار من جديد.
في القارة الإفريقية، روّج ترامب لاتفاق واشنطن بين الكونغو الديمقراطية ورواندا باعتباره خطوة تاريخية أنهت صراعًا دمويًا طويل الأمد. إلا أن الاشتباكات لم تتوقف على الأرض، خاصة مع استبعاد أطراف فاعلة من الاتفاق، أبرزها حركة «إم 23»، ما أدى إلى استمرار العنف وتقويض فرص السلام الشامل. ويرى مراقبون أن هذه الوساطات عالجت مظاهر الأزمة دون التطرق إلى جذورها السياسية والأمنية المعقدة.
أما على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد كرر ترامب مرارًا أنه قادر على إنهاء النزاع «خلال يوم واحد»، إلا أن العمليات العسكرية لا تزال متواصلة، في ظل تشابك المصالح الدولية وتعقيدات الصراع بين القوى الكبرى. ويؤكد محللون أن هذا الملف يتجاوز قدرة أي وسيط منفرد، ما يجعل تلك التصريحات أقرب إلى وعود انتخابية منها إلى حلول عملية قابلة للتنفيذ.
وفي الشرق الأوسط، اعتبر ترامب وقف إطلاق النار في غزة والتهدئة بين إيران وإسرائيل إنجازات دبلوماسية كبرى. غير أن التطورات اللاحقة كشفت هشاشة هذه التفاهمات، مع تجدد الضربات وغياب أي تسوية حقيقية للقضايا الجوهرية، سواء المتعلقة بالصراع الفلسطيني–الإسرائيلي أو بالتوتر الإقليمي الأوسع.
ويخلص مراقبون وخبراء في العلاقات الدولية إلى أن وساطات ترامب حققت، في أفضل الأحوال، هدنات مؤقتة وترتيبات مرحلية، لكنها لم تنجح في إنهاء الحروب أو فرض سلام دائم. وبينما يواصل ترامب تسويق نفسه كـ«رجل الصفقات والسلام»، يبقى الواقع الميداني شاهدًا على أن معظم هذه الصراعات لا تزال قائمة، بانتظار حلول أعمق وأكثر شمولًا تتجاوز الشعارات السياسية.


تعليقات
إرسال تعليق