شبكات تستهدف المجتمع… كيف تُصنع الفوضى الناعمة ويُغَيَّب الوعي؟

كتبت .. سها البغدادي 

تعيش المجتمعات العربية اليوم أمام موجة ممنهجة تستهدف استقرارها من الداخل، عبر أساليب تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل آثارًا عميقة على الوعي والسلوك والبنية الاجتماعية. فالهدم لم يعد يأتي عبر السلاح فقط، بل عبر “القوى الناعمة” التي تُوجَّه بمهارة لضرب الثوابت وتشويه الأجيال وتغييب العقل الجمعي.

مخدرات… بطالة مصنوعة… وأجيال بلا هدف

تبدأ الشبكات التي تخطط لإضعاف المجتمعات باستهداف الفئات الآمنة والمتماسكة، ثم نشر المخدرات التي تُعدّ البوابة الأكبر لكل أنواع الجرائم. فحين يسقط الشاب في مستنقع الإدمان، يصبح سهل السيطرة، ضعيف الإرادة، فاقد القدرة على الإنتاج، ومصدرًا لجرائم لا حصر لها.

وفي المقابل، تظهر ظاهرة “البطالة المصنوعة”، عبر تدفقات غير مفهومة من الدعم المالي لبعض الشباب والفتيات عبر وسائل التواصل، ما يدفع الكثير منهم إلى ترك العمل أو الاكتفاء بدخل افتراضي زائف، ويخلق جيلًا يعيش على الهامش بلا إنتاج حقيقي.

المدارس تحت التهديد… والطفولة في دائرة الخوف

تسعى هذه الشبكات كذلك إلى ضرب منظومة التعليم من الداخل. تظهر حالات تحرش داخل المدارس تثير الذعر في نفوس الأهالي، وتحوّل العملية التعليمية من بيئة آمنة إلى مصدر خوف دائم. الهدف هنا ليس فقط الاعتداء، بل نشر الرعب وإرباك المجتمع ودفعه لفقد الثقة في مؤسساته الأساسية.

القوى الناعمة بين البناء والهدم

لم تعد الأدوات التقليدية هي الوسائل الوحيدة للهدم؛ فالفن، والثقافة، والإعلام أصبحت ساحات معارك مفتوحة.
يتم الترويج لأعمال فنية بلا قيمة أخلاقية أو معرفية، مليئة بالبلطجة والانحراف والعنف، فتُنتَج أجيال ترى السلوك الشاذ طبيعيًا، وترى الانحراف بطولة.

يُهمَّش الفن الراقي، وتختفي الفنون ذات الرسالة، ومنها فن الكاريكاتير الذي كان من أسرع الوسائل في توصيل الفكرة إلى الناس ببساطة وعمق. هذا التغييب ليس مصادفة، بل خطوة واضحة نحو إخماد الوعي وإسكات النقد الذكي.

تغييب القدوة… وصناعة نجوم من الفراغ

واحدة من أخطر الظواهر اليوم هي اختفاء القدوة الحقيقية وتصدُّر الجهلاء للمشهد.
العلماء، الأدباء، المبدعون، أصحاب الفكر المستنير… جميعهم يتم دفعهم خارج الصورة، بينما تُرفَع نماذج سطحية لتصبح هي “القدوة” المزعومة للأجيال الجديدة، في انقلاب خطير على منظومة القيم.

نظرية الإحلال… حين يحل الضعيف مكان القوي

من أخطر ما يواجهه المجتمع اليوم هو تطبيق عكسي لنظرية الإحلال:
حيث يتم إقصاء العناصر القوية والمشرفة، وإحلال عناصر ضعيفة بلا قيمة، تُسهم في ترسيخ الانحطاط الثقافي والسلوكي.

لكن الحل ما زال في يد الدولة والمجتمع معًا.
فنحن بحاجة إلى إعادة تمكين العناصر القوية والواعية والمشرفة في كل المجالات، ودعمها لتتصدر المشهد، حتى تعود منظومة القيم إلى مكانها الصحيح، ويُعاد الاعتبار للنموذج القدوة.

خاتمة: معركة الوعي أولًا

المجتمعات لا تُهزَم من الخارج ما لم تُختَرَق من الداخل.
ولهذا، فإن أولى خطوات المواجهة هي إدراك حجم الخطر، ودعم كل ما هو أصيل ونظيف وقوي، وفتح الطريق أمام العلماء والمبدعين والفنانين الحقيقيين لاستعادة دورهم في بناء وعي هذا المجتمع.

فمعركة اليوم ليست بالسلاح، بل بالوعي… والوعي يحتاج لرجال ونساء على قدر المسؤولية.


تعليقات

  1. كلام سليييييييييم جدا ومقاله في الجون 👍

    ردحذف

إرسال تعليق